فرع الفونج بالدبة تاريخ له عمق
يرجع أسم كرمكول إلى النوبية فهي كلمة نوبية ( دنقلاوية ) تحديدا حيث تباينت أراء الدناقلة في ترجمة الكلمة البعض قال إنها (ارض الكرم) وآخرون قالوا إنها (عنده حلبة ) وتعني أرض الزراعة ، كما زعم البعض الآخر ( عنده أرض او طين ).
تقع قرية كرمكول على الضفة الغربية على النيل تحدها من الشمال مدينة الدبة ومن الجنوب قرية دبة الفقراء و شرقها على الضفة الشرقية لنهر النيل تحدها عقبة (ترقس ) التي تفصل بين قريتي أرقي والعفاض ، ومن الغرب الصحراء التي تمتد إلى حدود ولاية كردفان
تاريخ كرمكول يمتد عبر التاريخ القديم ضمن قرى البديرية بين الشوايقة والدناقلة، وقد مرت عليها الحقب التاريخية المختلفة بدءًا من مملكة نبتة، وحضارة كرمة، ومروي، والممالك المسيحية التي كانت عاصمتها دنقلا العجوز والتي انهارت تمامًا عام 1272م تحت وطأة المد الإسلامي العربي القادم من مصر، خاصة مجموعة جهينة التي تفرعت في السودان إلى الجعليين، الشوايقة، الرباطاب، البديرية، الركابية، المناصير، والمريفاب، وسكنوا على طول ضفاف النيل من الشمال إلى الجنوب. بعد انهيار الممالك المسيحية في المقرة وعلوة وقيام مملكة الفونج، صارت تعرف هذه المنطقة بديار البديرية. المنطقة التي تسكنها قبيلة البديرية، والتي تقع من ضمنها قرية كرمكول، كانت تسمى بمملكة الدفار في عهد المملكة السنارية ودامت إلى ما قبل الفتح التركي للسودان 1820م.
في عهد السلطة الزرقاء، بعثت دولة الفونج بعائلة تنسب إلى بادئ أبو شلوخ إلى منطقة الدبة لحل النزاع بين ملوك الشايقية والبديرية وتأمين طرق التجارة مثل طريق الأربعين التجاري الذي كان يربط السودان بمصر. من أشهر أمراء الفونج الذين تم إرسالهم لهذه المهمة الأمير محمد فرح سنادة مسند بن الملك ناصر ود بادي أبو شلوخ، وهو صاحب القصر الشهير بكرمكول، وكان قصرًا فخمًا مشيدًا من الطين (اللبن). كان هناك امتداد لهذا القصر بناه لاحقًا ابنه سعيد محمد فرح.
هنالك حوادث هامة كان لها وقع مهم في تأريخ منطقة منحنى النيل (كرمكول ) وكل الريفي وما جاوره، وكان لوجود الفونج ونفوذهم وبسالتهم مع رجال البديرية الأشاوس ما أنقذ المنطقة من دمار هالك.
الحادثة التي نحن بصددها هي الحرب التي نشبت بين محمد فرح سنادة مسند بن الملك ناصر ود بادي أبو شلوخ وجيش الشايقية بقيادة طه ود مساوي.ويُروىعن سبب تلك الحرب أن قبيلة الشايقة ذات المحاربين الأشداء كانت تشن هجمات كاسحة علي منطقة البديرية وماجاورها سلباً ونهباً وبلغ الحال أن خُربت مملكة الدفار التي أسسها البديرية وهرب معظم السكان إلي غرب السودان خوفاً من غارات الشايقة وخاصة بديرية تنقسي ودبة الفقرا أمثال الشيخ ود دوليب الذي أنشأ قرية خرسي بالقرب من بارا.
اشتبك القائد محمد فرح بجيش الشايقية في منطقة الباجا شمال الغابة وهزمهم شر هزيمة وقتل قائدهم طه ود مساوي. هذه النتيجة العسكرية كان لها أعمق الأثر في ذلك الزمان حيث ثبتت ركائز المجتمع وعم الأمن وتبعا لذلك توقفت هجمات الشايقية وتنعم الناس بالعيش الرغيد وكفاهم الله غارات الشايقية والتي كانت تقضي علي الأخضر واليابس.
إذن فان الزعيم محمد فرح (حُمد فرح) هو من بعد فضل الله يرجع الله له الفضل في استتباب الأمن في المنطقة وحكمها بصلابة وشكيمة بيد أن الدكتور أحمد الياس حسين استاذ التاريخ بجامعة الخرطوم قرأت له مقالاً يرجح فيه أن الفونج ومحمد فرح هو من استلم زمام الحكم بعد زوال دولة المغرة في دنقلا العجوز، ورأي البروف أحمد الياس لايمكن تجاهالهوهو لاينفي الحادثة بل قد يصب في مصلحة الرواية لان البديرية في المنطقة أيضاً كثر ولهم عزة وسطوة ومعروف أنهم محاربون بالوراثة من أجدادهم في جزيرة العرب ولم يكن يتولي القيادة محمد فرح إلا بدعم الملك في سنار أو كما ذكر المؤرخ البروف أحمد الياس أنهم ورثوا الحكم بعد سقوط دولة المغرة في دنقلا العجوز.
الواقعة الأخري هي معركة القيقر الشهيرة والتي دارت رحاها في الدبة بقيادة فارس الفونج سعيد ود أحمد الأغا بمشاركة قوات مصطفي ياور الحاكم التركي في دنقلا في عهد عبد الله التعايشي وكانت دنقلا وقتها لاتزال خاضعة للحكم التركي.
الخليفة عبد الله التعايشي وتعزيزاً لحكمه قام بارتكاب مذابح رهيبة وأراق دماء الابرياء رجال القبائل العربية سميت ب(كَتلة) مثل كَتلة الكبابيش وكَتلة الشكرية وكَتلة البطاحين وكَتلة المتمة الشهيرة.أرسل التعايشي قائده محمود ود أحمد الذي أباد أهل المتمة وقتل زعيمهم عبد الله ود سعد وسبى نساءهم وتم بيعهن في أمدرمان ونجا منهم ومنهن من هرب بجلده وقدم بعضهم إلي الغابة وهم أسرة السعداب الحالية.
أما في منطقة الفونج والبديرية فلم يبدوا طاعة للتعايشي فكان أن اتهمهم بموالاة أبناء المهدي مما حدا به ارسال جيش في العام 1884م أو 1885 م بقيادة الشيخ أحمد الهدي وعلي مقدمة جيشه النعمان ود قمر فارس المناصير المغوار ومعه كل عمد ونظار الشايقية ووصلوا إلي الدبة والتي كان بها حصن(القيقر)كان به سلاح جيش سعيد ود أحمد أغا.
شعل المهاجمون المعركة بهجوم خاطف واقتحم قائدهم النعمان ود قمر بحصانه باب القيقر بغرض الاستيلاء علي السلاح ومباغتة المدافعين بشل حركتهم.لكن ثبت لهم سعيد (وهو العامل سعيد) بجيشه وهزمهم شر هزيمة بعد أن قتل قائد الجيش المهاجم النعمان ود قمر وجرح الشيخ الهدي وتم إخلائه من أرض المعركة وهرب كل قياداتهم، ثم اتبع سعيد بجيشه الفارين الي حدود كورتي وهناك مات الشيخ الهدي متاثراً بجراحه ودفن في وادي مقدم علي بعد فراسخ معدودات من كورتي.
هذه المعركة (القيقر) بقيادة القائد الشجاع سعيد ود أحمد أنجت وأنقذت بفضل الله المنطقة من مذبحة محققة وكان لها اثراًكبيرا وتنفس أهل المنطقة الصعداء وتغنت النساء تمجيداً لقائد همام ونحله الرجال أراضي وسواقي كثيرا(هي عندهم اثمن من الذهب) وفاءًا وعرفانًا.
صور شاعر الشايقية ود حسونه مادار في المعركة في قصيدة قال فيها:
الرمنتود عوعى في الكرد
فوق قلوب الجنيات هرد
أماني يا النعمان ماك ولد
هد كبد القيقر ورقد
قالو ملك العامراب شرد
وود كنيش جدع المفضض
وخت سوطين في (أب غرد)
والهدي في كورتي انسند
وترجمتها: أن مدفع الرمنتود (مدفع تركي) دوى في منطقة الكرد وقتل كثيرًا من جنود التعايشي. والقائد الشجاع النعمان ود قمر اقتحم باب القيقر ببسالة لكنه قُتل.
أما ود كنيش، زعيم نوري، رمى سيفه المطعم بالفضة وضرب حصانه الملقب أب غرد سوطين، كناية عن الهروب. بينما الشيخ الهدي فقد مات ودُفن في وادي جبرة.
لا زالت قبائل الشمال تتغنى ببطولاتهم، وآخرهم الشاعر عثمان جفون الهواري في العام 2017 حيث قال:
من أشراف بني أمية وزعيما عمارة
السودان مع التاريخ كسبلو إنارة
مع رايات الجهاد والسلطة والنقارة
شعت بأمرو التقـــــــابة في ســـــنارا
ثم كان أن أصدر التعايشي عفواً شاملاً لأهل المنطقة بعد هذه المعركة لكنه كعادته نكث عن وعده وغدر بالفارس المغوار سعيد ود أحمد أغا وتلك قصة أخري.
هاتان الواقعتان كان بطلاها قائدان فذان من قادة الفونج بكرمكول تركا أثراً عميقاً في المنطقة وبفضل الله ثم بفضل حصافة وشجاعة أهلنا البديرية، ففرسانهم كانوا وقود المعارك وشهدائها، نعمت المنطقة باستقرار أمني واقتصادي قلما تجده في المناطق الأخري في ذلك الزمان.
شكلت قبيلة الفونج في المنطقة الإدارة الأهلية ( عمد وشيوخ ) في كل المنطقة شرق وغرب النيل في ريفي الدبة والذي يمتد بالضفة الغربية للنيل من حسين نارتي جنوباً الى الباجا شمالاً ومن تنقسي شرق النيل إلى منطقة العفاض جنوباً بالضفة الشرقية للنيل.
من العمد والشيوخ الذين أداروا المنطقة العمدة ميرغني فضل وحسن فضل و عبد الحليم فضل والشيخ محمد فضل.
ورث الإدارة من بعدهم أبنائهم العمدة سعيد ميرغني والعمدة أحمد سعيد والعمدة سعيد احمد والعمدة ميرغني حسن والعمدة عبد الرحيم عبد الحليم ، والعمدة محمد عبد الحليم والشيوخ إسماعيل محمد فضل وخالد محمد فضل ومن بعده أبنه عبد الله خالد إلى أن حلت الإدارة الأهلية في عهد الرئيس جعفر نميري.
يمثل الجانب الديني في قرية كرمكول البوباب عموما أولاد الخليفة محجوب حيث من العلامات المميزة لذلك قباب الدواليب السبعة و قبة ود بوبا.
من القبائل التي تقطن مع الفونج الهواوير في منطقة كرمكول ( أولاد رابح ) و عبد الله حمد ، والشوايقة أولاد محمد ود التوم ( الجرقندي ) ، والبديرية أولاد حمود والفلاليح أولاد حسن عبد الله واسرة دياب وإدريس عبد الله وأولاد حنتوش ، والبوباب أولاد حاج محمد وآل هبشي وإولاد الخليفة محجوب واسرة الشيخ محمد ود دوليب و أسرة منشاوي و المريساب ( اولاد محمود ).
حرفة سكان المنطقة هي الزراعة فهي منطقة زراعية.