ومرت الايام متثاقلة متشابهة رتيبة ولا زالت الجملة الساخرة التي أطلقها أبوه ليلة قدومه من مصر تراوح مكانها في أذنه ؛؛ تؤذيه وتنال من كرامته وتخدش كبرياءه !!
كان أبوه وحيدا ليس له اخوة سوى اخت تزوجها احد ابناء الفونج
فكانوا له سندا لما يتمتعون به من مكانة عظيمة في تلك المنطقة فلا غرو فهم العمد والمشايخ.
… وكان قد تزوج هو من خمس نساء لم تصمد معه الا واحدة من فتيات البديرية فقد كانت امه امرأة صارمة صعبة المراس تطلق زوجاته في غيابه …وقد تعود أن يعود من عمله فيسأل عن زوجته فتجيبه امه بلكنة محسية صارمة ” طلقنا الهادم بكرة نعرس ليك واحد تاني” فيوافقها في رأيها ولم تصمد الا تلك البديرية التي أنجبت له خمس من البنين وبنتين اثنتين.
وليس له أرض في تلك القرية فهو يزرع في غير أرضه فقد تركوا أرضهم بجزيرة ” مقاصر” هربا من بطش التعايشة أيام المهدية ..
واستقر بهم المقام بهذه القرية الحالمة الوادعة.
في بورسودان حيث يعمل انداده في المطاعم والمقاهي وتلك المهن الهامشية امضى الصبي بضع سنوات يكسب ما يعين به نفسه ويرسل الى أبيه مصروفا شهريا
حتى قوي عوده واتجه إلى العمل سائقا
بمستشفى بورتسودان ثم عبر البحر الأحمر الى الحجاز في عام ١٩٣٠م ولم يتجاوز عمره العشرين عاما.
مرت تلك الذكريات والمشاهد سريعا في راسه المثقل بالتفكير في كيفية الرجوع إلى مضمار العمل والهجرة .. اما البقاء في هذه القرية فهو المستحيل بعينه لانه لا يملك أدواته وأسبابه؛ فليس له خبرة بالزراعة او التجارة بل لا يملك ثمن التذكرة التي يعود بها !!
…نواصل

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *