تلك القرية التي لطالما سمعنا عنها ولكننا لم نرها حتى أقيم فيها مهرجان كرمكول الثقافي في ديسمبر من العام ..٢٠١٧
لم تكن الرحلة من الخرطوم اليها يسيرة؛ فالكثبان الرملية – او القيزان كما يقول لها اهلها- حالت دون وصولنا في الموعد
فيها
المحدد و ظلت تعانق العربة التي كانت تقلنا مرارا و لم يكن غريبا على أهل البلد ان يهرعو لمساعدتنا في كل مرة توحل
العربة و يصرون على ضيافتنا ببعض ماء و بلح أو مقيل.
واصلنا المسير حتى توقفت بنا العربة أمام بيت جدي – حوش العمدة- تلك الشلوخ على بابه توحي بعراقة المكان، مساحاته
الواسعة و ديوانه يحكيان عن مدى كرم أهله. يذوب في هدوء المكان ضجيج ذهنك و تسكن نفسك كرضيع لا يهدأ سوى في
حضن أمه و يغمرك الشعور بالانتماء.
حين تركب الفلوكة متجها إلى الشرق تسمع خرير الماء يتساءل من هذا الزائر المألوف و لماذا أطال الغياب؟! ألم يشتق
لانعكاس الوان المغيب على الماء؟ ألم يجف ريقه من المياه المعدنية؟! أليس كل من يشرب من ماء النيل عائد لا محالة؟!
و ها هو قد عاد..
يهبط الليل باردا حاملا في نسماته دفء الذكريات و حاكيا عبر جدران البيوت قصص من سكنو الديار..فتسمع ضحكات
الحبوبة و هي تجدل شعر حفيدتها و تداعبها قائلة )) شعرك د الا كان جبدوك اهل ابوك، انا بتي شعرها حرير(( و ترى الجد
يتمدد على عنقريبه و يحاول ضبط موجة الراديو ليطرب بصوت وردي او سيد خليفة. أما هناك في التكل يفور اللبن و يعبق
المكان برائحته باعثا مزيدا من الدفء .. و حين تنظر الى الاعلى ترى الأسر داخل الحيشان تنعكس نجوما في سماء الليل
الداكن..
و في خضم هذه الاحاسيس المفعمة بالحنين تغط في نوم عميق و أحلام الغد بمدينة كرمكول حاضرة المنطقة الشمالية و
مركز السودان الرئيسي لتجارة و تصدير البلح..
قرية كرمكول حلقة الوصل بين مصر و السودان..
قرية كرمكول إحدى المصايف التي يتجه إليها السودانيون و المصريون لقضاء العطلات.
قرية كرمكول تحتضن مهرجان كرمكول العشرين بحضور فنانين محليين و عالميين.. حيث تزينها جداريات الرساميين
السودانيين لتحكي لزوارها عن الماضي وهي تتراقص طربا مع موسيقى الروك ليمتزج الأمس الأصيل بالغد الواعد لهذه
القرية المعطاءة

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *