*أنا امك آ عباس*
مقولة كانت ترددها حبوبتنا آمنة عباس احمد (عباسية) ذلك عند استغرابها او تعجبها من شئ حبا وفخرا بابنها عباس .
معلوم ان زرائب (حظائر البهائم) كانت مصفوفة في البلد على القوز بين الأرض الطينية و الرملية على رؤوس السواقي لتكون قريبة من البيوت والسواقي ليسهل ذلك على أهلنا من اطعامها وسقيها ومن ثم حليبها و رعايتها عموما بسهولة ..
جميع امهاتنا في بداية اليوم الباكر كن يسرحن البهائم ونحن معهن من الزرائب إلى السواقي وأثناء ذلك كان بعضهن لديهن بعض الأعمال اليدوية التي يمارسنها مثل ضفر سعف النخيل ضفائر لعمل البروش او تشقيق عرجون النخيل لعمل المكانس واخريات ينظفن الملوخية والكداد وتجهيزه لاحقا للوجبات فهو مزروع طبعا في هذه السوقي..
كنا نجلس جوارهن تحت ظل النخيل على جدول المشروع الزراعي وهن كثر حاجة عباسية ودهابة و هولة بت فضل وزهرة مساعد وأم العول بت ابراهيم وفاطمة حمد والزلال حسين وست البنات سعيد و فاطمة سعد ونفيسة بت جلالة و سعدة وست العيلة حماد وعزو وخدوم والمنى والسيدة بنت حمد فرح وست البنات وفاطمة عبد الرحمن ونورة شعبان والسيدة قدوره وزينب دياب و بنات الفقير صليحة وأمنه والقندل كنا نجلس بجوارهن نلعب بالطين طبعا وتشكيله مثل الصلصال الصناعي نعمل منه أشكال حسب المزاج بعضنا يتارجح بارجوحة صممت من حبل ربط مزدوج على فرع مانجو تمدد أفقيا من ساق الشجرة مستقيم وعلى بعد ثلات أمتار تقريبا من الأرض والآخر يتارجح على جريدة نخلة شقت إلى نصفين وعقد رأسها باحكام عند السعف.. كنا كل واحد منا ياخذ نصيبه بالتساوي سواء كان ذلك تارجحا او دفع للآخر وفي نفس الوقت كنا حذرين ان لا تتعدى البهائم على زرع او محصول واذا حصل ذلك كنا نتولي امرهن ونرجعها إلى المكان المسموح بالرعي فيه..
في يوم ما نزلنا بعد المقيل في البيوت بعد العصر كعادة المزارعين ذهبنا الي السواقي لنحش القش في اعتقادي كان الموسم موسم صيفي وكانت الزراعة ذرة كعادة البلد قبل ان يسقى السقية التانية يسميها أهلنا ( التيلان) لابد من تنظيف الجداول و الزراعة حوض حوض و بانتظام اتجاه الري و في اثناء ما ننظف و كل آباءنا و امهاتنا معنا ونحن اتجه نظرنا الي السماء في شمالا والشمس متدلية للمغيب قبل ساعة تقريبا من المغيب و اذا بست او سبع بالونات ذات الوان حمراء وصفراء مخططة بالطول وتحت كل واحدة منها سبت تنطلق من شرق النيل (قيزان أرقى) متجهة غربا عابره النيل بالمنطقة الفاصلة بين الدبة وكرمكول وفي ارتفاع عالي سببت زعر وخوف شديد لجميع من رأى هذا المنظر لانه منظر غير مألوف انطلقت الدعوات والابتهالات من الامهات ( يا فجاج الغمة من الضلمة.. الليلة يا اللا سهى و لا نام ولا اكل طعام .. الليلة يا تور وحدوا.. الليلة يا راجل الكيم)..
كل الناس كبارا وصغارا في خوف شديد انا والوالد في ساقية البير كما يسمونها ومعنا حاجة عباسية قالت لوالدى ( دي القيامة دار تقوم يا ود خالد ) رحمهم الله جميعا .. اخيرا اتضح الأمر كانت تدريبات لسلاح المظلات السوداني مع قوات اجنبية في عمل تدريبي مشترك..
ايضا العم عبد الحليم سعيد عنده قصه طريفة مع امنا حاجة عباسية طبعا كما نعلم بعد حليب البقر في البلد وبعد تسخينه بكون بكمية كبيرة يقسم الي اتنين او تلاث للجيران ليس لديهم لبن و القسم التاني طبعا بكون للشاي و الاخر وهو الأكثر يوضع في و عاء مصنوع من الطين او حلة متوسطة الحجم امهاتنا يسمونها ( الكادق) يضعوا فيه كمية بسيطة من اللبن المخمر يسمونه الرواب ليخمر لكي يخضونه (يخشونه) صبيحة اليوم التالي ليصنعوا منه السمن المعروف عم عبد الحليم سعيد وهو صغير كان يأتي بيت امنا عباسية في الصباح بعد ان تغلى حليبها وتضعة ليبرد فيجد حلة امنا عباسية قشطتها صفراء كاسية كل جوانب ووسط الحالة ويقوم بالتهام القشطه الحاجة تقبل عليه ترى منظر حليبها و تقول انا امك آ عباس (سجمي،، سجمي،، سجمي،، خربوا لي كله).. لحل هذه المشكلة كانت بعد تسخن اللبن ويبرد تقسم القشطة ( الجمدة) في كورية سمتها كورية عبد الحليم و تعلق باقي اللبن على المعلاق وهو اتنين من ضفائر السعف مخلوفة بطريقة معينة في شكل صليب معلقة بحبل في مربوط سقف المطبخ او الراكوبة توضع عليها مواعين الاطعمة كي لاتصلها القطط وماشابه ذلك..
عمنا عباس ابوحجل بحب البلد من بدري جدا لذلك فهو يقضي معظم ايام السنة فيها وسر ذلك غالبا ما يكون ايام طفولته رعى البهائم وحش القش و رمى التيراب وسند التقانت وقلب الابق لذلك هذا الرجل يحاول ربط نفسه بها كي لا ينقطع منها ..
اتذكر بدري ونحن أطفال كان يأتي بعربية شركة السجائر تقريبا سجائر ابو نخلة لوقت قريب كنا نذهب لامنا عباسية رحمها الله ناخد منها علب من الألمنيوم المصنوعة منه الواح الدعاية نعمل منها اللواري ونحن صغار.. طبعا كل الإجازات كان يقضيها اما في البلد أو مصر واغلب الأحيان في البلد ..
هو من اوائل الذين شيدوا بيوت في القلعة كما نسميها سابقا حيث كان البيوت بالعدد بيته كان وقتها تحفة شغل حديث لم يسبقه احد أن بنى وأسس بيت بهذا الجمال آنذاك في كرمكول ماعدا عم سعيد خالد أيام اغترابه في السعودية ثم عمنا محمد علي هليس أمد الله في أيامه.. لكن منزل حاج عباس هو الافخم على الاطلاق.. فمنزله كان حدث في كرمكول تحفة غاية الجمال .
طبعا ابدا لا أنسى اطلاقا اعمال ابوحجل التجارية ، مكتب التخليص الجمركي الذائع الصيت تحديدا في منتصف الثمانينات ونحن طلاب ببورتسودان في نهاية المتوسط و الثانوي كنا في الإجازات نعمل عدادين في الميناء بالمكتب مع الأخوة فيصل سيد و سيد زبير ومحجوب خضر وهاشم محجوب وعلى مكي عبد الباسط والفاضل موسى تدربنا على يدهم على هذا العمل وكان من اوائل المكاتب في بورتسودان للتخليص والترحيل خاصة الأسمنت فكان المكتب الوحيد المعروف في تخليص الأسمنت آنذاك بالإضافة إلى الترحيل الأشياء الأخرى..
بجانب ذلك عمنا عباس كان من الرياضيين المطبوعين فكان رئيسا لنادي الثغر ، وجميع معارفه وزملائه ما ندر ان ينادوه باسمه بل كانوا يطلقون عليه لقب ( الريس ) ففي مكتبه هذا قابلنا كابتين الطاهر حسيب و اسامه الثغر والكثير من الرياضيين..
هذا الرجل باريحيته المعهودة وتعامله الراقي مع الصغير والكبير سكن قلوب جميع أهلنا وله مكانة خاصة ومتميزة بينهم. كما هو سباق في الأعمال العامة في البلد دائما ما تجده مع الاجاويد في الصلح وعلى راس وفود و لجان الخدمات ولا يبخل بجهده والمشورة والتوجيه والارشاد في كل ما يهم البلد نسأل الله يديم عليه ثوب الصحة والعافية ويمد في أيامه.. ويبارك له في عمره وذريته.
ورحم الله امنا امنه عباس احمد ورحم الله امهاتنا المذكرورات واسكنهن فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وجميع موتانا وموتى المسلمين